هل يصبح تحويل الرواية إلى السينما وسيلة لانتشارها ؟

هل يصبح تحويل الرواية إلى السينما وسيلة لانتشارها ؟

تعددت أشكال تقديم العمل الأدبي والفن واحد على الرغم من التباين النوعي في مستوى التلقي بين شكل إبداعي وآخر، فإذا أردنا التوقف عند تحولات المادة الأدبية بين المقروء أو المسموع أو المشاهَد، سنجد أنه من المشروع جداً أن يتحول المضمون ذاته إلى قوالب متعددة وفق معالجة موضوعية، وحس فني يضمن له غاية الوصول بأكثر من وسيلة، لاسيما إذا نظرنا إلى أولوية الرسالة الفكرية أو حتى الفنية في وجود قناعتنا بأن الثقافة مفهوم متسع للأدب والفن معاً.
وفي ظل الإحصاءات التي تناولت أزمة القراءة العربية، برزت أخيرا ظاهرة الارتفاع القياسي لمبيعات بعض الكتب بمجرد تحويلها لفيلم سينمائي أو مسلسل درامي على نحو لم يتحقق لها قبل ذلك. وقد حصل هذا أخيراً مع شفرة دافنشي وعمارة يعقوبيان التين تصدرتا أكثر الكتب مبيعا على مواقع الإنترنت.
فهل يصبح تحويل الأدب إلى فيلم سينمائي أو مسلسل وسيلة لزيادة مقروئية الكتاب في أمة توصف بأنها لا تقرأ.؟؟. وهل يستطيع أي مؤلف طلب تحويل روايته إلى فيلم مثلا وما معيار ذلك؟؟. "الاقتصادية" استطلعت في هذا التحقيق مدى تأثير تحويل الرواية إلى فن سينمائي أو درامي في مبيعاتها وانتشارها.

بداية يطالب سعد البازعي رئيس النادي الأدبي في الرياض بوجود دراسات تقيس مدى ذيوع الرواية وانتشارها بعد تحويلها إلى رواية قائلا إنه علينا أن نعترف أن الفن السينمائي والدرامي أكثر مشاهدة وجاذبية من عالم الروايات والكتب خاصة وسط معدلات القراءة المنخفضة التي يشتهر بها عالمنا مشيرا إلى أن تحويل الرواية إلى فيلم يزيد من انتشارها وتعريف فئات من الشباب بها وقد يقبل البعض على شرائها وتزيد مبيعاتها ولكن زيادة المبيعات ليست دليلا على أن الرواية قد قرأت فالكثيرون يشترون الرواية بعد مشاهدة الفيلم للاحتفاظ فيها لا أكثر. منوها بأن وجود قياسات تؤكد تلك المقولة ستكون دافعا لإقبال الكتاب على تحويل رواياتهم إلى فن درامي والتعاون مع شركات الإنتاج في هذا الشأن.

في الوقت نفسه يرى مؤلف رواية "عمارة يعقوبيان"الدكتور علاء الأسواني أن تحويل الرواية إلى فن سينمائي أو مسلسل يزيد من نسبه مشاهدتها بالنسبة لفئة معينة و لكن هذا لا يؤثر في جمهور الأدب نفسه الذين مازالوا يمارسون القراءة قائلا إن مؤلف الرواية يجب ألا يتدخل في صناعة الفيلم لأن علاقته بالرواية فقط مشيرا إلى أن الكاتب مادام واثقا من شركة الإنتاج و كاتب السيناريو عليه أن يترك لهم عملهم لأنهم أقدر على صنع الحبكة الدرامية المختلفة عن المعالجة الروائية للقصة. ونوه في حديثه إلى أن رواية عمارة يعقوبيان نالت شهرة أكثر لجميع فئات المجتمع عند تحولها إلى رواية مكتوبة بعد أن كانت مقتصرة على جمهور معين في السابق قائلا إنها باعت نحو ربع مليون نسخة وطبعت عشر طبعات واعتبرت الأعلى مبيعا في العالم العربي كما أنها باعت نحو 135 ألف نسخة في فرنسا و 70 ألف نسخة في إيطاليا خلال 2006. وشدد في حديثه على أنه ككاتب لا يهمه كثيرا تحويل روايته إلى فيلم لأنه يكتب لجمهور الأدب الذي سيقبل على قراءة الرواية سواء حولت إلى فيلم أم لا لكن بالتأكيد فإن الكاتب يفرح عند ذيوع روايته وانتشارها لدى فئات مختلفة ومتنوعة في المجتمع. وحول روايته الجديدة "شيكاغو"ذكر أنه تم الاتفاق على ترجمتها بـ 14 لغة وأنها حققت مبيعات كبيرة لكنه يأمل في تحويلها إلى فيلم لتنتشر بين جميع الفئات خاصة وسط معدلات القراءة المنخفضة التي يشهدها العالم العربي.

بدورها, تؤكد المخرجة هيفاء المنصور أن نظرية زيادة نسبة مبيعات الرواية نتيجة تحويلها إلى فيلم أو مسلسل نظرية صحيحة و ثبتت صحتها مع روايات كثيرة على غرار "عمارة يعقوبيان" و"شفرة ديفينشي" وروايات إحسان عبد القدوس ويوسف السباعي و نجيب محفوظ منوهة إلى أن تحويل الرواية إلى عمل فني يعتمد على رؤية المخرج نفسه وأحداث الرواية التي تقبل التحويل إلى عمل فني ولغة الكاتب. والكاتب المغرق بالتشبيهات والخيال دون تفاصيل أحداث يكون من الصعب تحويل روايته إلى عمل مشاهد وعزت هذا إلى أن أدب الرواية متطور بشكل أكثر من فن الدراما متوقعة أن تحويل روايات سعودية إلى أفلام سيرفع مبيعاتها بشكل ملحوظ بسبب تطور أدب الرواية ولكن المشكلة الحقيقية أن هذا التحويل يحتاج إلى فن ومعالجة درامية واضحة ونحن نفتقد معاهد تعليم الاقتباس أو معاهد لكتابة السيناريو ولهذا فمن النادر أن يلجا أحد لتحويل رواية لمؤلف سعودي إلى عمل فني إلا فيما ندر بالرغم من تأثير ذلك في شهرة الكاتب وعدد مبيعات الرواية نفسها.

وترى كاتبة السيناريو وإخصائية علم الاجتماع دكتورة ليلي الهلالي أنها تعتقد صحة تلك المقولة قائلة إن "شقة الحرية" للدكتور غازي القصيبي مثلا راجت كثيرا بعد تحويلها إلى فن درامي مشيرة إلى أن هذا نتيجة طبيعية فقليلون يحبون القراءة ولكن الكثيرين يقبلون على مشاهدة الأفلام والمسلسلات ومن الطبيعي أن الفضول يدفع الكثير لاقتناء الرواية التي شاهدوها أما بدافع المقارنة بين المسلسل والفيلم والاختلافات بينهما أو لمسايرة الجميع فعند تحويل رواية إلى فيلم أو مسلسل تزيد نسبة الحديث والكلام عنها وبالتالي يرغب المشاهد في قراءة الرواية أو اقتنائها ليتمكن من إبداء الرأي بشأنها والحديث عنها مع أصدقائه.

ويرى أيمن الحلواني مدير الإنتاج في قسم الأفلام في شركة روتانا أن شرط نجاح الرواية عند تحويلها إلى فيلم هو عدم تدخل كاتب الرواية في القصة و أن يكون موضوع الرواية صالحا للتعبير عنه سينمائيا, ولا يجد معيارا محددا له كمنتج يستطيع الحكم إذا كانت الرواية ستنجح عند تحويلها إلى فيلم فهذا يعتمد على كيفية توزيعها مثلا فأحيانا تكون الرواية ناجحة و لكن التوزيع لا يحالفه الحظ، وقال توجد روايات ظلمت عند تحويلها إلى فيلم. وعزا سبب عدم تحويل الروايات إلى فيلم هو أن بعض الكتاب لا يفضلون هذا خوفا من التلاعب في أحداثها مثلا واعتمادا على شهرته التي تتيح للرواية الانتشار ولكن المؤكد هو أن تحويل الرواية إلى فيلم يزيد من نطاق مشاهدتها ومعرفة الناس بها لأنها تصل للفئة الكبرى من المجتمع التي لا تقرأ غالبا. وأشار إلى أن تحويل الرواية إلى فيلم أمر يرجع إلى الطرفين فمن الممكن أن يعرض مؤلف الرواية على شركة إنتاج معينة تبني روايته لو كان يرى أنها صالحة أو أن تعرض الشركة المنتجة على المؤلف التحويل. وأشار إلى أنه من الواجب على شركات الإنتاج البحث في الروايات على ما يصلح للتحويل إلى فن خاصة في ظل عدم وجود سيناريوهات ذات مستوى جيد منوها بأن شركة "روتانا" تدرس تحويل عشرات الروايات لمؤلفين سعوديين بغرض زيادة تعريف الجمهور بالكتاب السعوديين.
ويؤكد المؤلف يوسف المحيميد أنه لا يوجد شك أن تحويل الرواية إلى عمل درامي، سواء فيلم سينمائي أو مسلسل تلفزيوني، قد يسهم في رفع مبيعاتها ويلفت الانتباه إليها، خصوصاً إذا لم يتغير اسم العمل الدرامي عن العمل الروائي، شأنه في ذلك شأن شهرة القصيدة التي يتم تلحينها وغناؤها، ذلك يهبها نوعاً أكبر من الانتشار. ويشير المحيميد إلى أن مشكلة شركات الإنتاج هي أن ما يتحول من روايات إلى الدراما، هي الروايات الأكثر شهرة، أي التي حققت شهرة أكبر على مستوى القراءة، فرواية "عمارة يعقوبيان" حققت شهرتها قبل أن تتحول إلى فيلم سينمائي، وكذلك "شفرة دافنتشي"، وغيرها من الأعمال القديمة، مثل "اسم الوردة" لأمبرتو إيكو، و"أوليفر تويست" لشارلز ديكنز. هناك نقطة مهمة تخص من ينتقي العمل الروائي بغرض تحويله إلى دراما، وهي أن الرواية الجيدة ستساعد على نجاحها درامياً، أما ما عدا ذلك، فسيكون الفشل حليفاً له، فضلاً عن أن هناك أعمال روائية لا تقبل تحويلها إلى دراما تلفزيونية، مثلاً لم تكن رواية "أبو شلاخ البرمائي" قابلة للتحويل درامياً، فمن الوهلة الأولى يتبين أنها عمل مكتوب فحسب. ويحذر المحيميد من حرص بعض الروائيين على أن تكون الدراما صورة طبق الأصل من العمل الروائي ويرى أنه خطأ وقع فيه منتج ومخرج "عمارة يعقوبيان"، فالفيلم كان نسخة مباشرة عن الرواية، لم يظهر أي اجتهاد للسيناريست ولا للمخرج، وقد يكون ذلك بسبب الرواية نفسها التي تشبه سيناريو تم تجهيزه بالتقطيع والحوار وخلافه. على عكس رواية "مالك الحزين" لإبراهيم أصلان، إذ وجدنا في فيلم الـ"كيت كات" عملاً درامياً بديعاً وفاتناً، كونه التقط ما يريد من الرواية، وصنع نصه الدرامي الخاص، فكان الفيلم نجاحا آخر للرواية.

الأكثر قراءة